سؤال : الحديث الذي يقول {مَا مِنْ أحَدٍ يُصَلِّى عَليَ ؛ َّإلا رَدَّ اللهُ عَلَيَّ رَوُحِيَ ؛ فَأَرُدُّ عَلَيْهِ السَّلام}[1]
فهل رسول الله صلى الله عليه وسلم ميتٌ ؛ حتى يرد الله عليه روحه؟
الجواب :لا ، فروح رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحضرة العلية ، لا تبرح عنها، أي أنه مجموع على الله ، وهذا ما يسمونه جمع الجمع على حضرة الله ، لا يريد أن يبرح عن بابه ، ولا يخرج من رحابه طرفة عين ،كما كان يسهو في الصلاة هل كان يسهو مثلنا؟ نذهب إلى البيت أو إلى العمل؟ لا
يا سائلي عن رسول الله كيف سها والسهو من كل قلب غافل لاه
قد غاب عن كل شئ سره فسها عما سوى الله فالتعظيم لله
استغرق في الشهود ، فنسى العوالم الكونية ، وليس مثلنا ، سها من أجل أنه تذكر زوجته أو ابنته أو عمله ، فهو صلى الله عليه وسلم في شدة الجمع على الله ، لأن الله قال له {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} النجم17
أي نحن معك ، وأنت لم تلتفت عنا طرفة عين ، وقد عرض عليه الملكوت كلما يعرض عليه سماء أو جنة أو ملكوتاً يقول : لا انشغل بهذه الأشياء ، فقال له : أنت لا يوجد مثلك في الكون ، عرضنا عليك السماء الأولى ، والثانية ، والأنبياء ، والجنة ، والعرش أيضاً{مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} النجم17
كل هذه الأشياء ، ولم تلتفت ، ونريك الآيات الكبرى أيضاً ، لكنه لا يريد إلا الله ، فأصبح في مقام يسمونه جمع الجمع ، يعني مجموعاً بكله على الله ، لا يلتفت نفساً إلى سواه ، فإذا سلم عليه واحد من طرف له؟ إذن له الله أن يهبط من عليائه ، وأن يتنزل من علو بهائه ، ليصلى عليه ويحمله إلى الله
لكن سيدنا رسول الله ، حي حياة كاملة ، وإذا كان الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون ، فإذن هو حي عند الله ، وليس عند الرب حي عند الله حياة سرمدية أبدية أزلية ، وليس هو وحده ، كلنا سنحيا ولا يوجد أحد يموت {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} الدخان56
حتى الكفار أنفسهم ، وأنت تعلم الحديث الذي يقول {يَا فُلانَ ابْنَ فُلانٍ ، يَا فُلانَ ابْنَ فُلانٍ ، هَلْ وَجَدْتمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقَاً؟ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ أتُنَادِي قَوْمَاً قَدْ جِيفُوا؟ ، قَالَ : لا إنَّهُمْ أسْمَعُ لِمَا أقُولُ مِنْكُمْ ، وَلكِنْ لا يَسْتَطِيعُونَ الكَلاَمَ}[2]
{وَالْقَبْرُ إمَّا رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ أوَ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ}[3]
فكيف يكون ميتاً ، وينعم بالخير؟ أو ميتاً ويحس بالعذاب؟ فكلهم أحياء ، والدليل على ذلك ، أننا عند القبور نقول : السلام على المؤمنين ، أو نقول : السلام عليكم ، فالحديث يقول {مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُسَلِّمُ عَلَىَ أخِيِهِ المُسْلِمِ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا ، إلا وَرَدَّ اللهُ رُوُحُهُ فَرَدَّ عَلَيْهَ السَّلامَ وَائْتَنَسَ بِهِ مَا دَامَ وَاقِفَاً عِنْدَ قَبْرِهِ}[4]
فهم غير موتى ، إما أحياء عند ربهم يرزقون ؛ إذا كانوا من الصالحين، أو أحياء مسجونين ؛ إذا كانوا من الكافرين ، إما مسجون في زنزانة من جهنم ، أو يرتع في روضة من رياض الجنة ، لكن في كلتا الحالتين فهذا حيٌّ ، وهذا حيٌّ {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَاراً} نوح25
متى هذه النار ؟
{النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} غافر46
فهذه النار هنا ، يعذبون فيها الآن ، فكيف يعذبون في السماء ثانية؟ حياة أخرى ، حياة معنوية ، ليست مثل حياتنا ، ولكن حياة أخرى يعلمها الله ، فرسول الله حيٌّ الآن حياة سرمدية أبدية ، لا يعلمها إلا الله ، حتى المؤمن يصل إلى مقام لا يصل إليه الملك ، لأن المؤمن يصل إلى مقام لا يستطيع الملك أن يصل إليه ، فالمؤمن كما قال الحديث {وَمَا زَالَ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إليَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أحِبَّهُ ، فَإِذَا أحْبَبَتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذَي يَسْمَعُ بِهِ}[5]
فالذي يسمع بسمع الله ، هل يستطيع الملك أن يصل إلى مقامه؟ لا ، لأن الملك يسمع على قدره ، لكن الذي يسمع بسمع الله ، يسمع جميع الأصوات ، بجميع اللغات ، في جميع الجهات ، في وقت واحد ، هذا هو الذي يسمع بسمع الله ، والذي يبصر ببصر الله ، أعلى من الملك ، لأنه يبصر جميع الجهات ، وجميع السكنات ، وجميع الحركات ، في الظلام ، وفي النور، والذي يتكلم بلسان الله هذا يكلم جميع الحقائق بلغاتها، ولهجاتها، وهو بهذا أفضل من الملك
إذا كانت هذه الحالة يصل إليها الأنبياء العاديون فهو صلى الله عليه وسلم أولى ، وقد وصل إلى هذه الحالة ، فيسمع بسمع الله ، والدليل أعطاه لنا في الإسراء والمعراج ، كيف يتم في الحالة البشرية أنه يذهب إلى بيت المقدس ، ويصلي بالأنبياء ، ويدخل ويؤمهم ، ويصعد إلى السماوات سماءا تلو سماء ، ويكلم الملائكة والجنة ، والنار ، والعرش ، والكرسى ، ويعود وفراشه لم يبرد؟ كيف تقبل بالحالة البشرية؟
إذن هي بالحالة الإلهية ، التي ليس بها المسافات ، أو الجهات ، أو هذه الأشياء ، كيف تتم كل هذه الأمور في هذه اللحظات إلا بالحالة الإلهية؟ وهذه تتم معنا أيضاً لكن في عالم المنام ، الواحد منا أحياناً يحصل في المنام الواحد ما لا يستطيع الجسم أن يقطعه ، فأرى أني ذهبت إلى مكة ، وطفت ، وسعيت وذهبت إلى المدينة ، وزرت سيدنا رسول الله ، ورجعت ، ثم استيقظ من نومي ، فأجدني كما أنا ، مكاني ، فهذه الأمور لكي أفعلها بالجسم كم من الوقت تحتاج؟ لكن الروح تقطعها في لحظة
وهذه الأمور تحدث لنا في المنام ، وهو صلى الله عليه وسلم تحدث معه في اليقظة ، فهو لا يوجد شئ يشغله ، فهذا بالنسبة له معالم ظاهرة ، بالنسبة لنا الواحد منا مشغول ينام ويصحو ، لكنه بالذات قلبه طاهر ، فكان يسمع بسمع الله ، وينظر بنور الله
فإلقاء السلام سنة ، ورد السلام فرض ، وهو يعلمنا ، فمن غير المعقول أنه لا يرد ، بل لابد أن يرد ، ويرد على الكل كيف؟ ، كما قلنا الآن لا تتعجب ، إذا كان بلسان الله من باب {ولسانه الذي يتكلم به} ، لأن السلام خاص به ، وإذا نظرنا إلى الناحية الأخرى قال {كنت سمعه الذي يسمع به}
ولذلك فالآية {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} الإسراء1
فإنه في هذا المقام ، السميع بسمع الله ، البصير ببصر الله ، وإلا لما استطاع أن يسمع ويرى شيئاً ، لو لا أن تفضل الله عليه بسمعه وببصره في هذا المقام ، حتى لا تتعجبوا من هذا الحديث فإنه كان يسمع بسمع الله ويبصر ببصر الله وليس معنى أنه السميع البصير ، أنه الله ، لا
دع ما ادعته النصارى في نبيهم واحكم بما شئت مدحاً فيه واحتكم
فنحن لا نقول فيه أنه إله ، بل إنه عبد ، ولكنه عبد تفضل عليه الله ، تفضل عليه الله بسمعه وببصره في هذا المقام
ملك الملوك إذا وهب لا تسألنَّ عن السبب
لا تتعجب ، فكل شئ ممكن ، وهل يوجد شئ غريب على قدرة الله؟ قال صلى الله عليه وسلم {أُمِرْتُ أَنْ أُخَاطِبَ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ}[6]
أما المؤمنون فعلى قدر قلوبهم ، والمحبُّون على قدر حبهم ، فلكل مقام مقال ، فالعبد ليس معه إلا الذل والإنكسار ، لكن عبداً ذليلاً تفضل عليه المولى عز وجل بالعزِّ ، فأصبح عزيزاً بالعزيز سبحانه وتعالى
فلبسنا ثوب عزِّ بعد خلع للرقاع